الوضع المظلم
  • الاثنين, 06 مايو 2024
التصوف - للدكتور حسين صبري أستاذ الفلسفة الإسلامية

التصوف - للدكتور حسين صبري أستاذ الفلسفة الإسلامية

في التصوف الإسلامي
يجب التفرقة بين :
  • أصل الكلمة ( التسمية ) :
من الصفاء أو الصفو أو الصف ( الأول المقبل على الله تعالى ) أو الصفة ( من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ) أو الصوف أو الصوفان ( نبتة تعتمد على قليل من الغذاء ) أو صوفيا (  أي الحكمة في لغة اليونان قديما ) .
  • معنى التصوف ( موضوع العلم ) :
 يمثل الحياة الروحية في الإسلام التي يخضع فيها الإنسان لألوان من مجاهدة النفس وكشف حجب الحس وتصفية القلب من الشهوة والهوى وقطع العلائق المادية وتأمل الكون ومشاهدة مبدع الكون بمعرفة يقينية لاشك فيها ، وهنا يمكن القول بان التصوف وان كان يمثل طريقة واتجاه إلا أنه في الأساس يعد علما قائما بذاته له موضوعه ومنهجه ونظرياته وأعلامه وكتبه وممارساته المتعددة .
  • تقييم تجربة التصوف ( الحكم عليه ) :
قد يحدث اضطراب أحيانا بين تقييم التصوف أي الحكم عليه وبين تاريخ التصوف (المراحل التي تشكل فيها علما يعبر عن الحياة الروحية في الإسلام ) ، إذ إن تقييم التصوف أو الحكم عليه قد أخذ اتجاهات هي :
  1. تصوف سني وتصوف بدعي
  2. تصوف ايجابي وتصوف سلبي
  3. تصوف ديني وتصوف فلسفي
  4. تصوف نظري وتصوف عملي
  5. تصوف فردي وتصوف طرق
وغالبا ما جاء هذا الحكم من منظور معين ومن طائفة معينة كالمدرسة السلفية أو الأشاعرة أو الفقهاء أو المتكلمين ، وهذا التقييم لا يعبر بحال عن مراحل وتاريخ التصوف في اكتماله كعلم إسلامي وإنما يعبر عن أحكام محددة على التصوف تمثل اتجاه أصحابه في الحكم على التصوف والمتصوفة عبر لغتهم وتعبيراتهم ونظرياتهم .
  • العوامل المؤثرة في نشأة التصوف :
اختلف علماء ومؤرخو الإسلام والمستشرقون ( خاصة ) حول هذه التأثيرات التي يمكن إجمالها فيما يلي:
  1. من آيات القرآن الكريم التي تحث المسلم على الطاعة والعبادة والتقوى والزهد في الدنيا والطمع في الآخرة .
  2. ومن زهد ومن تحنث وعبادة الرسول ( ص ) وتقشفه في حياته ومن أحاديثه الصحاح قطعية الثبوت والدلالة
  3. ومن حياة الصحابة والتابعين في زهدهم وتقشفهم وعبادتهم
  4. ومن النصرانية ( خاصة النساطرة واليعاقبة )
  5. ومن ديانات الهند ( خاصة البراهمية والبوذية )
  6. ومن ديانات الفرس ( خاصة المانوية والمزدكية )
  7. ومن فلسفة اليونان ( الرواقية وأفلاطون )
  8. ومن فلسفة أفلوطين في نظرية الفيض والصدور
ظهر هنا فريقان كل منهما يحاول بشتى الطرق إثبات وجهة نظرة في حقيقة نشأة التصوف الإسلامي ما بين نشأة إسلامية خالصة ، أو نشأة غير إسلامية ، والصواب أن التصوف بدأ إسلاميا صرفا ، ثم دخلت عليه تأثيرات الديانات والفلسفات والمذاهب التي اطلع عليها المسلمون فيما بعد وأثرت عليهم .
  • مراحل التصوف ( تاريخ التصوف ) :
لقد اتفق كل من كتب عن التصوف من المسلمين ومن المستشرقين على أن التصوف مر بمراحل هي :
  1. مرحلة الزهد : وامتدت  حتى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري والتي يمثلها طائفة العباد والنساك والزهاد الأوائل ومنهم الحسن البصري ورابعة العدوية وكانوا في زهدهم مقتدين بالرسول (ص) ، فلم يكن لهم نظام عام يجمعهم أو طريقة مشتركة تؤلف بينهم .
  2. مرحلة التصوف الخالص : وظهرت على أرجح الأقوال في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري وامتدت إلى نهاية القرن الرابع الهجري ،  فأصبح العباد والنساك يعرفون بالمتصوفة وطريقتهم بالتصوف وأصبح اللفظ علما يطلق على من يحيون حياة روحية فيها الزهد والعبادة والفقر .
  3. مرحلة التصوف الفلسفي : وقد ظهرت متداخلة مع نهاية المرحلة السابقة وبدأت فيها عبارات المتصوفة تجنح إلى التفلسف ما قيل معه أنها شطحات المتصوف حال الوجد التي تختلف عن حاله ساعة الصحو .
  4. مرحلة الفلسفة المتصوفة : والتي ظهر فيها نظريات فلسفية صوفية عند بعض الفلاسفة كالفارابي وابن سينا ، وعند بعض المتصوفة كابن عربي والحلاج والبسطامي والسهروردي ( مثل القول بوحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد أو الاتصال بالعقل الفعال أو الإنسان الكامل أو الإشراق ) .
  5. مرحلة الطرق الصوفية : والتي اجتمع فيها كثير من المنتسبين إلى التصوف تحت لواء أحد أعلام المتصوفة الذين تمت لهم الولاية والإيمان ( الشاذلية ، الأحمدية ، المهدية ......)
ومن المهم ملاحظة أنه في كل مرحلة تأتي لا يعني اختفاء الأشكال الأخرى للتصوف ، إذ كثيرا ما وجد في مجتمع إسلامي ما  بعض أو كل أشكال التصوف مجتمعة معا .
  • منهج التصوف :
تميز المنهج الصوفي بذاتية التجربة وفرديتها حيث استخدم المتصوفة المنهج الذوقي أو ما عبر عنه البعض بالحدس أو العلم اللدني أو الوجدان أو الكشف وأحيانا الإشراق الذي شكل فلسفة ونظرية كاملة في المعرفة ، وربما لذلك هوجم التصوف لأنه بذلك لا يخضع للتقييم الموضوعي العلمي لكونه منهجا ذاتيا وأيضا فرديا  وان عبر عن طائفة أو جماعة أو طريقة ،هذا المنهج  يعبر عند أصحابه على طريقة التصوف التي تتضمن :
  • مجموعة من المقامات ( وهي معروفة عندهم مثل : التوبة ، الورع ، الفناء ، المشاهدة ، الحب الإلهي ..... ) ، غير أن هناك خلاف في ترتيب حدوث بعض منها .
  • مجموعة من الأحوال ( وهي ما يعرض للمتصوف عند وصوله عند مقام معين مثل التأمل ، المحبة ، القرب ، الخوف ، الرجاء ، الشوق ...... )
             ويقال بين المتصوفة أن الأحوال مواهب وأن المقامات مكاسب .
 المؤيدون والمعارضون للتصوف :
  • المؤيدون للتصوف : كل من اقترب من طريقتهم أو مارسها ومن أشهر الكتب في ذلك : المحاسبي والمكي والقشيري والغزالي وابن عربي وابن سبعين والبسطامي والسهروردي وكثيرون غيرهم خاصة فريق كبير من الأشاعرة ( أهل السنة والجماعة ) تأثرا بصوفية الغزالي الذي ينتسب إليهم رغم تصوفه .
  • المعارضون للتصوف : ابن الجوزي ( تلبيس ابليس ) وعامة الفقهاء ( خاصة ابن حنبل ) وكثير من علماء الكلام وحديثا الأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال وابن باديس وزكي نجيب محمود والجابري ورأى أكثرهم  أن في التصوف  دعوة إلى التكاسل والتواكل والانعزال وفرصة للتحلل من الفرائض والخوض في عبارات ليس لها محلا من الوعي والإدراك الصحيح ودخولا في نظريات لا علاقة لها بجوهر الدين .
  • هناك من توسط بين الفريقين وأشهرهم ابن تيمية ويمثل التيار السلفي الأول الذي يرى أن هناك تصوف يعبر عن السنة والدين الصحيح وهناك تصوف بدعي شابته نظريات فلسفية وتعبيرات غريبة.
 التصوف بين المستشرقين ومفكري الإسلام المحدثين :
  • أشار جميع المستشرقين الذين كتبوا في التصوف الإسلامي بشكل يوحي ويؤكد أنه جاء نتيجة تأثير غير إسلامي وكان أول هؤلاء : فون كريمر وجولدزيهر ونلدكه ونيكلسون ومنسنك وأوليري وماسينيون وحاولوا بشتى الطرق إثبات الأثر الفارسي والهندي واليوناني والأفلوطينية المحدثة في تصوف المسلمين وربما جاء تأثرهم في البداية بما كتبه البيروني في " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرزولة " والذي وصف فيه عقائد الهنود من الفيدا والعرفان والنيرفانا واتصال المسلمين بها واطلاعهم عليها .
  • بينما عارض ذلك الاتجاه كثير من مفكري الإسلام المحدثين البارزين خاصة النشار ومصطفي عبد الرازق ومصطفى حلمي وعبد الحليم محمود وزكي نجيب محمود ، ويرون أن التصوف الإسلامي يمثل بحق التراث الديني والعقلي والشعوري في الإسلام ، بل يرون أن التصوف صار علما أشبه بأن يكون فلسفة روحية للدين الإسلامي .
 التصوف بين الماضي والحاضر الإسلامي :
ظهرت عدة اتجاهات في هذا الشأن ما بين :
  • من يقول أنه اتجاه انعزل عن مسيرة التاريخ الإسلامي ولم يشارك في صنع أحداثه أو تغييرها مثلما حدث مع الغزالي الذي عيب عليه تقوقعه وانعزاله عن الحياة الإسلامية ورفضه المشاركة في بعث نداء الجهاد ضد الصليبيين ، فوصف تصوفه بأنه تصوف نظري . ومثلما يقال على كثير من أتباع الطرق الصوفية في المجتمعات الإسلامية حديثا في القرنين الأخيرين .
  • ومن يقول أنه الوجه الحقيقي المعبر عن حياة المسلمين الروحية ، بل اعتبره البعض أنه الوجه الحقيقي للفكر الفلسفي الإسلامي .
  • ومن يقول أنه صنع تاريخ المسلمين في أحداث عديدة كانت الطرق الصوفية حتى العصر الحديث هي المحرك الحقيقي ضد التمزق والاستعمار والظلم السياسي والاستبداد .
  • ومن يقول أنه وقف حجر عثرة أمام إغراق المذاهب الاعتقادية لدى المتكلمين ولدى الفلاسفة في جدلهم في أمور الغيبيات والعقائد متأثرين بفكر اليونان .
  • ومن يقول أنه كان الرد الصريح والمعبر عن اتجاه الإفراط في الماديات والشهوات والترف في كل عصر من تاريخنا قديما ( مثلما حدث في العصر الأموي ) وحديثا .
وهذه الاتجاهات تمثل في حقيقتها إضافة إلى الأحكام التقييمة التي ذكرت سابقا على التصوف وعلى المتصوفة وهي ناتجة عن حقد للإسلام مثلما وقع من أغلب المستشرقين أو نتيجة لحكم على منهج الصوفية الذاتي ونظرياتهم المغرقة في الوجد من خلال تقييم عملي وعلمي وموضوعي لألفاظهم وعباراتهم حيث لا يستشعرها إلا من خاضها بتجربة .
     

يمكنك تحميل وقراءة الملف من هنا 

 

image

تعليق / الرد من

تابعنا على وسائل التواصل الإجتماعي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!

التصويت / استطلاع

هل تستفيد من موقع الدكنور حسين صبري؟

عرض النتائج
نعم
83%
لا
0%
غالباً
17%